دكتور مصطفى محمود :من كتاب رحلتى من الشك إلى الايمان

كلنا من أصل واحد .. من خامة واحدة . و لكن لكل منا فرديته الخاصة به . و الفرق بين مخلوق و مخلوق ليس مجرّد فرق كمي في الذرات , و إنما ... thumbnail 1 summary
كلنا من أصل واحد ..
من خامة واحدة .
و لكن لكل منا فرديته الخاصة به .
و الفرق بين مخلوق و مخلوق ليس مجرّد فرق كمي في الذرات , و إنما هناك فرق أكبر و أعقد في العلاقات بين تلك الذرات و في كيفيات الترابط بينها .
و نعلم الآن من أمر توليف الجينات الوراثية في الخلية الأولى أن جميع الأجنة الآدمية يتم توليفها من أكثر من عشرين حرفاً كيميائياً من بروتين DNA  و RNA  كما تتألف جميع الكتب و المؤلفات من الحروف الأبجدية , فيكون لكل كتاب روحه و شخصيته و نوعيته كمخلوق مستقل متفرد مع أن جميع الكتب مؤلفة من الحروف نفسها .
و يبلغ هذا التفرد لدرجة أن ينفرد كل واحد ببصمة خاصة مختلفة . لا تتشابه بصمتان لاثنين و لو كانا توأمين منذ بدء الخليقة إلى الآن برغم آلاف آلاف و ملايين ملايين الملايين من الأفراد .
و نعلم الآن أن لكل جسد شفرة كيميائية خاصة به بحيث يصبح من العسير و أحياناً من المستحيل ترقيع جسدٍ بقطعةٍ من جسد آخر .. فما يلبث أن يرفض الجسد الرقعة الغريبة كما لو كانت ميكروباً أو جسماً أجنبياً أو استعماراً و هذه هي كبرى المشكلات في جراحات الترقيع و نقل الأعضاء .
و أطول مدة عاشها قلب منقول كانت عشرين شهراً و تحت مطر مستمر من حقن التخدير و الأقراص المضادة للحساسية لمنع الجسد من رفض العضو الغريب .
و معنى هذا أن الفردية و التفرد حقيقة جوهرية يشهد بها العلم .. و هي حقيقة لم التفت إليها في بداية تطوري الفكري .. و اعتقدت بأن الجوهري و الباقي هو المجتمع و ليس الفرد .. الإنسان و ليس فلاناً , و الحياة و ليس الأحياء .. الوجود لا الموجودات , الكل و ليس الآحاد .
و هذا أثر من آثار فلسفة وحدة الوجود الهندية القائلة إن الوجود هو الله و هو الباقي أما جميع الموجودات فهي MAYA و المايا هي الوهم الزائل . و كل فرد مصيره إلى فناء حقيقي لا بعث بعده , و اعتقدت بأن خلود الفرد هو بقدر ما يترك لأولاده من توجيه و تربية و علوم و معارف .
أما هو ذاته فإنه ينتهي إلى التراب إلى غير عودة .
نصيبنا من الخلود هو ما نضيفه إلى وعاء الكل .

أما شخوصنا و أفردنا فمصيرها إلى العدم .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

SEARCH 4 BEST PRICE