مقالات من مجلة نص الدنيا
الذين أيدوها ظلموها، والذين ضاقوا بها ظلمونا: ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر ومصر.
والذين يعرفون الكثير قالوا قليلا، والذين يعرفون القليل كتبوا كثيرا في صحف لبنان.
ولم يعرف أحد الحقيقة. فأكثر العارفين ماتوا. أو كأنهم ماتوا.
وكان لابد أن يتساءل الناس: كيف حدثت ثورة يوليو، وكيف انتكست في يونيو، وكيف عبرت في أكتوبر. هل هم نفس الناس؟ كيف؟ ولماذا؟ وظهر لثورة يوليو دراويش وملحدون.
فأين الحقيقة. أين وجهها إن كان لها وجه بعد الذي قيل؟ وما الذي يكشف عن الحقيقة؟ ومن هو؟ ولماذا هو؟
وإذا كانت نكسة يونيو جريمة وعارا فمن الذي نلوم؟ من الذي يصلب فداء للملايين؟ وما اسم المحكمة التاريخية التي يقف أمامها الجميع. وهل هو متهم واحد؟ هل هم عشرون متهما؟ ثم ما هي التهمة؟ وهل هي تهمة الخطأ؟ هل هي الخيانة؟ هل هو الإهمال الشديد الذي يصل إلى حد الجريمة؟ هل الذي أشعل ثورة يوليو هو نفسه الذي هدم المعبد على المصلين. هل شمشون الجبار؟
إننا لم نتوقف عن أن نضرب وجوهنا بأيدينا. لم نكف عن البكاء على الماضي. حتى نسينا أنه يمكن استدراك كل شيء. وحتى نسينا أن الشعوب التي لها ماض هي الشعوب التي لها مستقبل. وأن الشعوب التي أقامت حضارات تستطيع أن تقيمها مرة أخري. وأن الذي جرى لمصر وجرى فيها وجار عليها لم يهد حيلها، ويكسر ظهرها، وإنما عوق حركتها ولوي طريقها وأخر وصولها فتقدمتها شعوب أخرى.
ثم إن هناك بديهية فلسفية تاريخية: إننا جميعا شهود على كل ما حدث فالذي يلوم أحداً يجب أن يلوم نفسه. فإن قال إنه كان خائفا أن يصاب بمكروه، وأنه لذلك لم يقل كلمة الحق، فهذا دليل ضده وليس له.
فلا يستطيع أحد أن يقول: إنه بريء. ولا أنه نظيف اليد واللسان لأن الكل شريك بالنظر والسمع والصمت عن كل ما حدث!
وبهذه الدرجة العالية من حرارة الغيظ أو الضيق، لا يمكن أن يكتب أحد التاريخ. فهو في حالة لا تسمح له بأن يكون متزنا. وإنما يستطيع أن يكتب التاريخ وأن ينصف الأموات من الأحياء والأحياء من الأموات، كل من هدأت نفسه، وأمن على يومه وغده. ولذلك لا يستطيع ذلك أحد قبل عشرات السنين، عندما لا يجد الكاتب حرجاً في أن يقول ما يقول دون تدخل من أحد أو خوف من أن يتدخل أحد.
وقد كان الرئيس السادات منصفا عندما طلب من كل المثقفين ألا ينظروا وراءهم في سخط أو غضب وإنما في شيء من الرضا، والإنصاف. فقد كان ما كان ولا يمكن تغيير الماضي. وإنما يمكن فقط تصحيح النظرة إليه. وهى مجرد نظرة، لأنه سوف تكون هناك نظرات كثيرة متفاوتة القرب والبعد والوضوح والغموض والحرارة والبرودة.
وإن كان الأسلم دائماً أن نبعد عن الثورة بعض الوقت لنراها أوضح. تماماً كما تفعل سفن الفضاء، إنها تبعد عن الأرض مئات الكيلو مترات لتصور أعماقها بوضوح!
الذين أيدوها ظلموها، والذين ضاقوا بها ظلمونا: ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر ومصر.
والذين يعرفون الكثير قالوا قليلا، والذين يعرفون القليل كتبوا كثيرا في صحف لبنان.
ولم يعرف أحد الحقيقة. فأكثر العارفين ماتوا. أو كأنهم ماتوا.
وكان لابد أن يتساءل الناس: كيف حدثت ثورة يوليو، وكيف انتكست في يونيو، وكيف عبرت في أكتوبر. هل هم نفس الناس؟ كيف؟ ولماذا؟ وظهر لثورة يوليو دراويش وملحدون.
فأين الحقيقة. أين وجهها إن كان لها وجه بعد الذي قيل؟ وما الذي يكشف عن الحقيقة؟ ومن هو؟ ولماذا هو؟
وإذا كانت نكسة يونيو جريمة وعارا فمن الذي نلوم؟ من الذي يصلب فداء للملايين؟ وما اسم المحكمة التاريخية التي يقف أمامها الجميع. وهل هو متهم واحد؟ هل هم عشرون متهما؟ ثم ما هي التهمة؟ وهل هي تهمة الخطأ؟ هل هي الخيانة؟ هل هو الإهمال الشديد الذي يصل إلى حد الجريمة؟ هل الذي أشعل ثورة يوليو هو نفسه الذي هدم المعبد على المصلين. هل شمشون الجبار؟
إننا لم نتوقف عن أن نضرب وجوهنا بأيدينا. لم نكف عن البكاء على الماضي. حتى نسينا أنه يمكن استدراك كل شيء. وحتى نسينا أن الشعوب التي لها ماض هي الشعوب التي لها مستقبل. وأن الشعوب التي أقامت حضارات تستطيع أن تقيمها مرة أخري. وأن الذي جرى لمصر وجرى فيها وجار عليها لم يهد حيلها، ويكسر ظهرها، وإنما عوق حركتها ولوي طريقها وأخر وصولها فتقدمتها شعوب أخرى.
ثم إن هناك بديهية فلسفية تاريخية: إننا جميعا شهود على كل ما حدث فالذي يلوم أحداً يجب أن يلوم نفسه. فإن قال إنه كان خائفا أن يصاب بمكروه، وأنه لذلك لم يقل كلمة الحق، فهذا دليل ضده وليس له.
فلا يستطيع أحد أن يقول: إنه بريء. ولا أنه نظيف اليد واللسان لأن الكل شريك بالنظر والسمع والصمت عن كل ما حدث!
وبهذه الدرجة العالية من حرارة الغيظ أو الضيق، لا يمكن أن يكتب أحد التاريخ. فهو في حالة لا تسمح له بأن يكون متزنا. وإنما يستطيع أن يكتب التاريخ وأن ينصف الأموات من الأحياء والأحياء من الأموات، كل من هدأت نفسه، وأمن على يومه وغده. ولذلك لا يستطيع ذلك أحد قبل عشرات السنين، عندما لا يجد الكاتب حرجاً في أن يقول ما يقول دون تدخل من أحد أو خوف من أن يتدخل أحد.
وقد كان الرئيس السادات منصفا عندما طلب من كل المثقفين ألا ينظروا وراءهم في سخط أو غضب وإنما في شيء من الرضا، والإنصاف. فقد كان ما كان ولا يمكن تغيير الماضي. وإنما يمكن فقط تصحيح النظرة إليه. وهى مجرد نظرة، لأنه سوف تكون هناك نظرات كثيرة متفاوتة القرب والبعد والوضوح والغموض والحرارة والبرودة.
وإن كان الأسلم دائماً أن نبعد عن الثورة بعض الوقت لنراها أوضح. تماماً كما تفعل سفن الفضاء، إنها تبعد عن الأرض مئات الكيلو مترات لتصور أعماقها بوضوح!
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق